المجال التعليمي والتربوي
رغم عمق الفارق بين الحضارة الاسلامية وحضارة الغرب المسيحي أو العلماني، وبين معتقدات ابنائهما، وبسبب الحال الذي عليه بلاد المسلمين بعد تقسيمها اثر الهجمات المتتالية من قبل الاستعمار الغربي وبسبب ما تعانيه شعوبها اليوم من جراء تعسف بعض الحكام، فقد قدّر لمئات الآلاف بل ملايين المسلمين الهجرة من ديارهم الى بلاد الغرب المسيحي مع ما في ذلك من مخاطر جمّة على جميع المستويات.
والمدرسة التي يقضي فيها الطفل المسلم جلّ يومه مختلطاً بأبناء الديار الاصليين، وهم أصدقاؤه في اللعب والتعليم، هي الأساس الحاسم في تربيته وتعليمه ومعتقداته، فماذا يتعلم أولادنا في تلك المدارس وكيف يتربون فيها؟ وهل فكر المسلمون في بناء مدارس لأبنائهم في تلك الديار، أم أنهم الى الآن لم يدركوا أهمية ذلك، أو أنه أمر يخص الجيل الجديد وليس الآباء أنفسهم؟!
مدارس اسلامية في بلاد الغرب
من هذا المنطلق، عملت مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية وبتوجيه مباشر من الإمام الراحل (رضوان الله تعالى عليه) على اقامة مشاريع مدرسية لأبناء المهاجرين في ديار الغرب معتمدة على اساس توفير فرص التعليم للبراعم وفق احتياجات الحياة الغربية، وتعليم المعارف الاسلامية ضمن العملية التربوية. فمنذ الايام الاولى لعمل المؤسسة بدأت بتدارس احتياجات الجالية الاسلامية في تلك الديار ورفعت بذلك تقريراً لسماحة الإمام الخوئي (قده) فأمر سماحته مؤسسته الخيرية بتطوير العمل لخدمة المسلمين وبالخصوص اتباع مذهب اهل البيت (ع) بانشاء مدارس اسلامية تتجاوب ومناهج التعليم العصرية المتطورة لتحصين ابناء المسلمين من الانحراف والضياع وتسليحهم بالعلم والايمان وبالفعل فقد بذلت المؤسسة جهوداً جبارة لتحقيق المرام، لتقف مدرسة الامام الصادق (ع) ومدرسة الزهراء (ع) في لندن، ومدرسة الايمان في نيويورك، بالاضافة الى مدرسة الهدى في مونتريال صروحاً شامخة ومعاقل للعلم والتقوى تحتضن الجيل الصاعد من أبناء المسلمين المهاجرين.
مدرسة الإمام الصادق ومدرسة الزهراء (عليهما السلام)
تحتل المدرستان مبنى ضخماً في شمال غرب لندن يتميز بموقع حيوي هام بالقرب من معظم التجمعات السكنية لابناء الجالية.
يتكون المبنى من ثمانية وعشرين صفا، ومصلى، وقاعة للتربية البدنية والحمامات الخاصة بها، ومكتبة، وقاعة مختبرات، وغرفة للكومبيوتر، وغرفة للطبيب والاسعافات الاولية، بالاضافة الى قاعات الطعام، والحمامات العامة، وغرف الادارة وبقية المستلزمات. وتستوعب المدرستان بكامل امكاناتها سبعمائة طالب وطالبة بمعدل ٢٥ طالب أو طالبة للصف الواحد، بدءاً من المرحلة التمهيدية والابتدائية والمتوسطة والاعدادية (GCSE) وجميع المراحل هذه في بناية منفصلتين للبنين والبنات.
ونظرا لضرورة المشروع واهمية نجاحه من جهة، وعدم وجود تجربة أو سابقة له من جهة أخرى، حيث أن تجربة هذه المدارس هي الاولى من نوعها لابناء مذهب أهل البيت (ع) في عموم بلاد الغرب، فان من الطبيعي جداً الاخذ بعين الاعتبار صعوبة الامر والمشاكل المحيطة به، خصوصاً لقصر الفترة الزمنية بين اعداد المناهج وتهيئة الكادر الاداري والتعليمي اللائق والقادر على تطبيق منهج اسلامي تربوي بموازاة المناهج الوطنية الرسمية المقررة من قبل وزارة التعليم والعلوم للبلد المضيف بالاضافة الى مادتي اللغة العربية والدين والتربية الاسلامية، لتـأهيل الخريجين والخريجات منها لمواصلة التعليم العالي والجامعي فيما بعد في المؤسسات التعليمية العالمية، محصنين بالخلق الاسلامي الرفيع وبالعقيدة الراسخة لدينهم ومذهبهم الحق، وبالتالي محافظين على الجوانب الثقافية والاخلاقية والدينية لانتمائهم. ولذلك فقد أعدت لجان متخصصة لاختيار مدراء واساتذة.
وبما أن المدارس لم تكن لقومية خاصة دون غيرها، فهي لأبناء الجالية الاسلامية جميعاً باختلاف قومياتهم ولغاتهم، وبالفعل فهناك ابناء من الهند وپاكستان وبنغلادش وتونس والمغرب والجزائر ولبنان والكويت والبحرين والعراق وايران وفلسطين وغيرهم من ابناء المسلمين المقيمين في البلد المضيف، أو ممن يحملون جنسيته، مما يزيد الصعوبات في عمل الهيئة الادارية وحتى التعليمية لاختلاف مستويات وثقافات وعادات ولغات التلاميذ.
لقد كان الحرص على تقييم الدراسة ومنهج التعليم في المدرستين خلال الاعوام السابقة، والوقوف على الثغرات التي حصلت خلال تلك الفترة، ووضع خطة جديدة تتجاوز الثغرات السابقة وذلك بالاستعانة بمتخصصين بريطانيين في مجال التربية والتعليم، عاملا من عوامل نجاح المدرسة ورقي مستواها التعليمي حيث أصبحت المدرستان من المدارس المتميزة بطلابها في عموم بريطانيا. وكان حرص المؤسسة على أن تكون هاتان المدرستان في مستوى المدارس النموذجية الاخرى في بريطانيا أن لم تكن الافضل من حيث التطور العلمي والتكنولوجي، ومن خلال توفير احدث اجهزة الكومبيوتر وكذلك مختبر علمي متطور جداً من حيث الاجهزة المتوفرة فيه، كلها عوامل ساهمت في تحقيق التطور المنشود الذي وصلت اليه. وقد تحقق – ولله الحمد – هذا التطور العلمي الذي سعت اليه المدرستين. فقد حصلت المدرستان، على سبيل المثال، على تكريم "منتدى الديانات الثلاث" لكونها أحسن مدرسة في العام ٢٠١٢م. كما حصل طلاب مدرستي الصادق والزهراء (ع) على تكريم جائزة أكثر المدارس قراءة على المستوى الوطني من ناحية أكثر عدد من الكتب المقروءة وكذلك من ناحية تقديمها أكثر الكتابات التفاعلية للكتب المقروءة.